تنبع أهمية هذا الكتاب من كونه يخدم القرآن الكريم وتاريخه بدمشق إحدى عواصم الحضارة الإسلامية الراسخة ، خاصة وأنه موضوع تفتقر إليه المكتبة الإسلامية ، ويقدم الكتاب صورة واضحة للمكانة العلمية بدمشق التي تولي القراءات القرآنية أهمية متميزة تدل على الروح العلمية المبدعة، إن هذا الكتاب فيه أمانه النقل وصدق القول ، وتقدير العلماء واحترام القراء في فكر عميق وذهن ثاقب وتمسك على ما كان عليه السلف ، بالإضافة إلى التعرف على الأسلوب المتبع في التلقي والعطاء لعلم القراءات.
كتاب لا بد منه لكل باحث يصنف آيات القرآن الكريم بموجب موضوعاته الكبرى مع تفريعاتها الجزئية على شكل رؤوس موضوعاته تمد الباحث بما يريد من آيات تتعلق بموضوع معين بأسلوب يسهل الرجوع إلى ما يريد من آيات،يتناول هذا الكتاب جميع الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع واحد من حيث المعنى في معجم مفهرس لهذه المعاني. ويبدأ الكتاب بتصنيف الآيات المتعلقة بالموضوع، وتفريعها إلى أفكار جزئية ،ثم صياغة الأفكار الجزئية على شكل رؤوس موضوعات مفتاحية ، كما يتناول في ذلك اختيار الكلمات المفتاحية، ووضعها بصيغة المفرد لا الجمع إلا إذا كانت الكلمة المفتاحية كما هي دون ردّها إلى جذرها اللغوي، بعد ذلك يتناول ترتيب الموضوعات الرئيسية والفرعية ترتيباً معجمياً ألفبائياً، حيث تصنف الكلمة المفتاحية وأجزاؤها بحسب ترتيبها في الأحرف الهجائية العربية وفق نطقها ورسمها دون مردها إلى جذرها اللغوي.
فإن الدارس لسير علماء هذه الأمة ، ليقف وقفة الإكبار والإجلال لهولاء الأئمة الذين قدموا لأمتنا أعمالاً خالدة ، وسيراً عطرةً تنير الطريق لمن بعدهم ، ومن هؤلاء الإمام ابن الجزري ، الذي كان شيخاً للقراء والمحدثين في عصره ، نذر نفسه ورحل في سبيل العلم والتعليم والتأليف ، فأغنى المكتبة الإسلامية بتآليفه ، وكان مدرسة للأجيال اللاحقة ، نشر القراءات والحديث في كل بلد نزل فيه ، فهذه الدراسة الموجزة عنه والتعريف بحياته ، وأعماله ، هي مختصرة ولكنها تنير الطريق لمن يريد التوسع ، ففيه ترجمته ، وبنسبه وحياته ، وترجمة مشائخه ، وعن كتبه المطبوعة وغير المطبوعة ، ووظائفه التي تولاها ، وفيه تعريف عن أشهر تلاميذه ، وتراجم أولاده.
لقد تطور علم القراءات على أيدي علماء العربية الأوائل، ثم اكتمل ونضج على أيدي جمهرة من أهل الأداء تحصصوا به، ووقفوا جهودهم البارعة الماتعة على فنونه، وتفريغ أبوابه، وظهر علماء كانت لهم الريادة في تعليمه وتدريسه في حواضر العلم من العالم الإسلامي في أيامهم، ومن هؤلاء: اب الفاصح البغدادي علي بن عثمان بن محمد المتوفي سنة إحدى وثمان مئة للهجرة الذي امتدت شهرته للآفاق، وشدت إليه الرحلة للطلب عليه لما عُرف عنه من دقة وحذق وضبط لأصولِ القراءات وفروعها، وله فيها مصنفات قيّمة ومنها هذا الكتاب "مصطلح الإشارات" الذي احتوى قراءات ستة من آئمة القراءة المشهورين هم: أبو جعفر المدني، ويعقوب، وخلف البزار، وقراءتهم متواترة في الصحيح المختار، والحسن البصري، وابن محيصن المكي، وسليمان بن مهرن الأعمش، وقراءاتهم شاذة جمعاً مستوعباً لم يتوفر عليه مؤلف سواه، كما أنه حفظ لنا نصوصاً من مظانَّ مفقودة هي من أمهات كت بالقراءات،
اختلفت الدراسات النحوية المعاصرة في تحديد أثر القرآن الكريم في النحو العربي، وتفاوتت النظرات النقدية إلى منهج النحاة القدماء، وذهبت بعض الدراسات تبحث في أثر القراءات القرآنية خاصة، وتسعى جاهدة للفصل في أحكامها بين القراءات المشهورة والشاذة، وأن الكوفيين كانوا يعتدون بها جميعاً، وحاول بعضهم أن يضفي على مواقف النحاة طابعاً دينياً، فيربط ذلك بمواقفهم من قرآنية هذه القراءات، ويحمّل بعض النحاة مواقف حزبية أو مزاجية، لقد كثرت آراء الباحثين في القراءات الشاذة، وختلفت آرائهم، فانبثقت الحاجة إلى دراسة تنتظم هذه الأقوال، وتبحث تلك المقولات والآراء والمفاهيم، وتكشف عن حقيقة مواقف النحاة، وتقف بالتفصيل على أثر القراءات الشاذة في النحو العربي.