أثر اختلاف القراءات الأربعة عشر في مباحث العقيدة والفقة
الباحث: وليد بن إدريس بن عبدالعزيز الميني
هذا البحث يهدف إلى بيان أثر القراءات على مسائل العقيدة من جهة زيادة الأدلة على صحة مذهب السلف في أبواب الاعتقاد، والرد على شبهات أهل البدع، ثم بيان أثرها على مسائل الفقة من جهة دلالتها على حكم فقهي أو أثرها في ترجيح قول علي قول في المسائل الخلافية.
والقراءات الأربعة عشر هى العشر المتواترة ومعها الأربعة الشواذ وهى قراءة (ابن محيص-اليزيدي-الحسن البصري-والأعمش) لأنها لا تزال تروى بالسند المتصل رغم عدم تواترها فالبحث يدرس أثرها مع القراءات المتواترة.
موضوع هذا الكتاب هو أثر القراءات الشاذة في الدراسات النحوية والصرفية فالموضوع يتصل بكتاب الله عزوجل وكل موضوع يتصل بكتاب الله أولى بالبحث وأجدر بالدراسة من غيره، وهذا الموضوع مهم لأنك ترى في هذه الشواهد النحوية والصرفية المستمدة من القراءات الشاذة مما أثبته القدماء في مؤلفاتهم احتج بها فريق منهم وتأولها فريق أخر، ولما كان معظم هذه القراءات نازعا بالثقة إلى قرائه محفوفاً بالرواية من أمامه وورائه، مدوناً في عصر الاحتجاج، ولما لهذا الموضوع من أهمية جمع المؤلف من تناثر من القراءات الشاذة ودراسته، وتتبع ذلك، وهذا الكتاب الضخم في مجلدين كتبه المؤلف الدكتور أحمد محمد أبو عريش الغامدي التي نال بها درجة الدكتوراة.
لكل راغب في علم التجويد والقراءات ، وطالب علم التفسير والدرايات نقدم هذه الرسالة ، ففيها تعريف بحروف التهجي بأوائل السور التسع والعشرين ، وذكر فيها فواتح السور المذكورة في علم التجويد وعلم الفواصل ، وعن فواتح السور في القراءات العشر والأربع الزائدة عليها ، فواتح السور في أقوال علماء التفسير، فالكتاب جميل في فنه وفريد في موضوعه وهذه الفواتح حيرت العلماء وأعجزت الفصحاء ، ورجح شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن الكريم وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه مركبٌ من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
فإن القراءات القرآنية كانت وما زالت مهلاً ثرياً ومعيناً لا ينضب لكثير من الدراسات على مستوياتها المختلفة بأنواعها المختلفة، ومن الدراسات والكتب المهمة التي بحثت عن القراءات الشاذة، والقراءت الشواذ لا تقل شأوا عن القراءات السبع المشهورة في الإسهام في الدرس اللغوي عامة وفي الدرس النحوي خاصة، بل ربما رصدت هذه بعض الظواهر النحوية، تقعيداً أو كشفاً أو تفسيراً أو استشهاداً أو احتجاجاً، ومن أشهر المؤلفات في القراءات الشواذ كتاب إعراب القراءات الشاذة، لأبي البقاء العكبري، أعرب من أوّل سورة الفاتحة وحتى آخر سورة الناس، و أعرب كذلك القراءات السبع والقراءات العشر مستعينًا بالآراء النحوية، التي يجوز تخريج تلك القراءات عليها.
كتاب (إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز في القراءات الأربع عشرة) لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن خليل بن أبي بكر القبابي ، من الكتب التافعة المفيدة في علم القراءات إذ اشتمل على جميع القراءات المتواترة التي وصلت إلينا بالطرق الصحيحة المتواترة حتى رسول الله وقد تلقاها المسلمون بالرضا والقبول حتى العصر الحاضر ، فهذا الكتاب سهل العبارة ، حسن الأسلوب ، واضح المعنى ، صحيح المحتوى ، جامعاً للقراءات العشر المتفق على صحتها وثبوتها ، مضيفاً إليها قراءات الأئمة الأربعة.
من عناية العلماء بالقرآن عنايتهم بكيفية إخراج كل حرف من مخرجه الصحيح ، فألفوا في ذلك تأليفات كثيرة مختصرة ومتوسطة ومطولة ، وشروحات مختلفة متنوعة من حيث السهولة الصعوبة ، ومن تلك الشروحات شرح (الدرة) في القراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر ، نظم الإمام الحافظ المحقق العلامة الشيخ ابن الجزري ، وشرحه فضيلة الشيخ العلامة عبدالفتاح عبدالغني القاضي رئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف ، وشرحه شرحاً متوسطاً بين الإسهاب والإيجاز ، بعيداً عن التطويل والحشو والألغاز.
هذا الكتاب مما كان طلاب القراءات في حاجو ماسة لهم، ألا وهو كتاب يجمع ما في الشاطبية والدرة من القراءات، ونظرا لهذه الحاجة وضع المؤلف هذا الكتاب المهم، وضمنه القراءات العشر من طريقي التيسير والتحبير، والشاطبية والدرة وقد سلك فيه مسلك صاحب الغيث في ترتيبه ونظامه، فيذكر كل ربع من القرآن ما فيه من كلمات الخلاف كلمة كلمة مبيناً خلاف الأئمة العشرة في كل منها، سواء اكان ذلك الخلاف من قبيل الأصول أو من قبيل الفرش، ثم يقول الممال ويحصر جميع الكلمات الممالة، ضاماً النظير إلى نظيره، مبيناً عند كل كلمة ونظيرها من يميلها ومن يقللها، ثم يذكر المدغم ويقسمه إلى قسمين: صغير وكبير، ولا يتعرض لشيء من أبواب الأصول، اكتفاء بذكر قاعدة كل قارئ، والمصنف جزاه الله خير لم يذخر وسعاً في توضيح العبارة، وتبسيط الأسلوب، وتجنب التعقيد، والبعد عن الصعوبة.
فأن لسان الإسلام الناطق وقاعدته الراسخة واساسه المتين هو القرآن الكريم، فعليه يتوقف إصلاح الأمة الإسلامية في دينها ودنياها، وهو سبيلها إلى العزة الأبدية والفوز العظيم في الدار الآخرة التي فيها معادها، وهو طريقها المستقيم الذي يوصلها إلى السعادة الدائمة في الدنيا التي فيها معاشها، ومنذ نزل القرآن إلى يومنا هذا العلماء لا يتركوا جهداً في الكتابة عن القرآن والمباحثة والمدارسة عنه، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم دراسة نحوية متصلة بالقرآن الكريم، عن التخريجات النحوية والصرفية لقراءة الأعمش، للدكتور سمير عبدالجواد استاذ اللغويات المساعد في كلية اللغة العربية بالقاهرة، والاهتمام بقراءة الامام سليمان بن مهران الأعمش جديرة بالعناية لأن قليل من يهتم بهذا الموضوع بالذات، والبحث في قراءة الأعمش ليس بالسهل، لأن الائمة الأخرين كتبهم متشرة بعكس الأعمش فإنه لم يترك لنا كتاباً يحمل قراءته ولم يفرد له ذلك، فجمع المؤلف جزاه الله خير القراءة التي وجدها في بطون كتب القراءت والتفاسير، وحاول أن يوفق بين الآراء المختلفة.