يُعَدّ مخطوطُ «هدايةِ المَهْرة في القراءاتِ الثلاثِ المُتمِّماتِ للعَشْر» لأبي الخير محمد بن محمد بن محمد ابن الجزريّ (ت 833هـ) نصًّا تعليميًّا موجزًا يُعنى بإفراد قراءاتِ أبي جعفر ويعقوب وخَلَف العاشر بالتصنيف، في صورة منظومةٍ تقرِّب قواعدَ الأداء وفرشَ الحروف للدارسين، وقد وصلنا في نسخٍ وجيزة الحجم، وتعرض هذه النسخة في ثماني عشرة صفحة ضمن مكتبة القرآن على الإنترنت. يحدِّد العمل موضوعَه في تنظيم أصول القراءات الثلاث وما يتفرّع عنها من مسائل الهمز والمدود والإدغام والإمالة والنقل والروم والإشمام، مع بيان مواضع الفرش على ترتيب السور وإظهار وجوه الاتفاق والاختلاف مع القرّاء السبعة؛ وتشيع فيه الإشاراتُ المعياريّة التي تُيسِّر استرجاع المعلومة لدى الطالب. وتكشف مطالع المنظومة—بعبارةٍ صريحةٍ أنّها «نظمٌ لأحرفِ الثلاثةِ الغُرِّ» موجَّهٌ لمن أتقن السبع ويَطلب العشر—عن مقصدٍ تربويٍّ واضح هو تكميل مسار التلقّي من السبع إلى العشر بوسيطٍ يُسهِّل الحفظ والمراجعة. وينتهج ابنُ الجزريّ منهجًا وصفيًّا تحليليًّا في قالبٍ شعريّ: يعرِض القاعدةَ بإيجازٍ موزون، ويردفُها بالشاهد القرآنيّ أو الإشارة إليه، مع توجيهٍ صوتيٍّ لمواضع الإشكال، وهو ما يجعل المخطوط حلقةً واصلةً بين «الدُّرّة» والمنظومات المتمحورة حول القراءات الثلاث وبين تحريرات «النشر» الأوسع نطاقًا. وتؤكِّد دراساتٌ أكاديمية حديثة هذا المَسلك؛ إذ أُنجزت حول «هداية المَهرة» أعمالُ تحقيقٍ وشرحٍ مطوّلة تبرز صلتها العضوية بمادّة «النشر»، كما خُصِّصت أبحاثٌ لتمييز زيادات المنظومة في قسم الفرش على ما في كتابه الموسوعي. وتمتاز لغةُ المخطوط بفصاحتها واقتصادها، وبحُسن ترتيب مادّته في بنيةٍ تعليميةٍ ملائمة للحفظ، مع أصالةٍ بيِّنة في اعتماد مَتون المؤلف الكبرى وطرائق أهل الأداء. ويخاطب النصُّ طلابَ معاهد القراءات والمقرئين والمدرّسين ومحقّقي المصاحف، إذ يزوّدهم بمتنٍ جيبيٍّ يُنظِّم أصول الثلاثة ويثبّت مواضع الفرش دون إغراقٍ في المطوّلات. وتنبعُ قيمتُه العلميّة والثقافية من إحكامه الانتقالَ من السبع إلى العشر بمنهجٍ منظومٍ رصين، ومن إسهامه في تقعيد تعليم القراءات على نحوٍ يجمع بين دقّة التحرير وسهولة التناول، الأمر الذي يُعزِّز صلةَ الدارسين بمجاميع ابن الجزريّ ويمهِّد لمقارَناتٍ أدقَّ بين نصوصه وتطبيقات الإقراء المعاصرة.
