يُعَدُّ «الحُجّة في القراءات السبع» لابن خالوية (الحسين بن أحمد بن خالوية، المتوفّى عام 370 هـ) من الكتب الرائدة في ميدان توجيه القراءات القرآنية والإفتاء بها، وقد حقَّقه د. عبد العال سالم مكرم ونُشِر عن دار الشروق ببيروت في طبعة رابعة، ويبلغ حوالي ٣٨٥ صفحة. يتناول المؤلف في هذا الكتاب موضوع الحُجّة القرائية — أي الأدلة التي تُحتج بها على صحة قراءة معينة — مع عرض شُبُه ونقد وردود، فيعرض لكل قراءة من القراءات السبع المعروفة ما ورد في أدلّتها النحوية أو اللغوية أو الصوتية أو من الرسم أو من التواتر، ويُبيّن موقفه منها ومدى قبولها أو عدمه. منهج ابن خالوية في العرض كان تأصيليًّا تحليليًّا، إذ لا يكتفي بسرد الأدلة بل يُقيّمها بالمقارنة بين الأقوال ويُرجّح أوجهها، مستخدمًا في حججه اللغة والنحو والأدلة القرآنية واللغة العربية، مع إيجاز مهيَّأ لعموم المختصين. من المميزات الفنية والعلمية للكتاب أن لغته فصيحة قوية، وأساليبه منضبطة في الربط بين الفِقرات والأدلّة، وترتيب منطقي يسهل تتبع المباحث، إضافة إلى اعتماد المصادر التراثية المعتبرة وتوثيقها، كما أن الأصالة تتجلّى في كونه من أقدم الكتب التي جمعت بين التوجيه والاحتجاج في القراءات السبع بأسلوب يوازن بين النقل والتحليل، ولا يغرق في الحشو. ويمكن أن تستفيد من هذا الكتاب فئة الباحثين في علوم القرآن والقراءات وطلبة الدراسات العليا، وكذلك المقرئون واللغويون الذين يرغبون في فهم أعمق لدوافع الاعتبار في القراءات، إذ يجمع بين البُعد النظري والتحليل المنهجي. وتتمثل القيمة العلمية والثقافية التي يُضيفها الكتاب في أنه يقدّم مادة مرجعية قيّمة لتاريخ النقد القرائي، ويُسهم في ضبط وتوضيح الحالات التي يُحتَجُّ فيها بإحدى القراءات، كما يربط بين علوم اللغة والقراءات، فيثمر جسرًا بين النحو والقراءة، ويُعدّ مرجعًا يُستدعى في البحوث المعاصرة التي تتناول الحُجج في القراءات وتوجيهها.
غير موجوه الآن