يمثّل كتاب «عددُ آيِ القرآنِ على مذهبِ أهلِ البصرة» لأبي العبّاس محمّد بن يعقوب البصري الشهير بالمُعَدِّل (ت 320هـ) أحدَ نصوصِ «علمِ الفواصلِ وعدِّ الآي» المعتمدة في المدرسة البصريّة؛ وقد توافرت له في العصر الحديث طبعاتٌ محقَّقة، من أبرزها طبعة جائزة دبي الدوليّة للقرآن الكريم بتحقيق بشير بن حسن الحميري (566 صفحة، 2022م)، كما أُتيحت له نسخٌ أكاديميّة حديثة تُظهر استمرار العناية العلميّة بهذا المتن وإعادة إخراجه للباحثين. يدور موضوع الكتاب حول تقعيد عدِّ الآي على مذهب البصريين بإيراد عدد كلِّ سورةٍ ومواضع رؤوس الآي والفواصل، مع الإلماع إلى وجوه الخلاف بين مدارس العدّ المشهورة—المدني والمكي والكوفي والشامي—الأمر الذي يجعل النصّ مرجعًا مهمًّا في مقارنة المناهج الإقليميّة القديمة في ضبط الآيات. وينهض المؤلِّف بمنهجٍ وصفيٍّ استقرائيٍّ يعتمد النقل عن أئمّة العدّ وأسانيده، جامعًا رواياتهم ومخرّجًا مواضع الاتفاق والاختلاف على ترتيب السور؛ وقد زادت بعض الطبعات دراسةً تمهيديّة في أسانيد علم العدّ ومناهج المصنِّفين فيه، بما يعين على فهم الخلفية الإسناديّة لتكوين المذهب البصري. وتبرز ميزات الكتاب الفنيّة والعلميّة في دقّة العبارة وإحكام الاصطلاح، والاقتصاد في العرض مع تمام الفائدة، فضلًا عن ضبط النصّ وتشكيله وفهارسه في الإخراج الحديث؛ وهي سماتٌ تُيسِّر الرجوع إليه سريعًا في مواضع الحاجة. والكتاب موجَّه إلى باحثي علوم القرآن، ولجان مراجعة المصاحف، ومدرّسي القراءات، وطلبة الدراسات العليا ممّن يعنون بمدارس العدّ وتاريخ ضبط المصحف؛ إذ يزوّدهم بمرتكزٍ موثوقٍ لتعيين رؤوس الآي وفق المذهب البصري ومقابلتها بغيره. وتنبع قيمته المضافة من تثبيت معالم أحد أهمّ مذاهب العدّ وتقديم مادّته في صيغةٍ قابلة للاشتغال المقارن، بما يُغذّي أعمال التحقيق والمعيرة الطباعية والرقمية المعاصرة، ويُعمِّق فهمَ نشأة «الخرائط العدديّة» للقرآن وتداولها بين الأمصار.