يقدّم كتاب «القراءات التي تدور بين الغيب والخطاب في فرش الطيّبة (الجزء الثاني)» للدكتور أمير عادل مبروك الدِّيب دراسةً تطبيقيةً دقيقة في تحرير مسائل الفَرْش كما قرّرها ابن الجزري في «طيّبة النشر»، إذ يركّز على الظاهرة الأسلوبية التي يتعاقب فيها وجه الغائب ووجه المخاطَب في ألفاظ قرآنية محدّدة، وما ينشأ عن ذلك من إشكالاتٍ في التلقّي والتدريس. يعالج المؤلف موضوعه عبر محاور رئيسة: تحديد المصطلح وحدوده عند أهل الأداء، حصر المواضع التي وقع فيها دوران الغيب والخطاب، مقارنة صيغ المتن المنظوم بشروح الطيّبة وموارد «النشر»، ثم بيان الأثر الدلالي والصوتي لاختلاف الوجهين في التطبيق. وينتهج منهجًا استقرائيًا تحليليًا يبدأ بجمع الشواهد وضبط مواقعها من السور والآيات وأرقام الأبيات، ثم يوازن بين العبارات ويستخلص قرائن الترجيح من سياق البيت وترتيب الأوجه وشيوع الأداء في الطرق. وتظهر مميّزات العمل في لغته العربية الفصيحة وأسلوبه الأكاديمي المحكم، والتنظيم الجدولي الذي يسهّل بناء خريطة ذهنية لمواضع الازدواج، ودقة الإحالة إلى المتون دون إطناب. وهو موجّه لطلاب معاهد القراءات والمقرئين ومدرّسي الحِلَق ومحقّقي المصاحف؛ إذ يزوّدهم بأداة عملية تضبط الاختيار وتحدّ من اضطراب التحرير. وتبرز قيمته العلمية والثقافية في سدّه فجوةً بين نصّ المتن وواقع الإقراء، وترسيخه لثقافة تحريرٍ منضبطة قائمة على الاستقراء والمقابلة، بما يفتح آفاقًا لفهرسةٍ منهجيةٍ أوسع لمواضع الازدواج وتحسين ممارسات التعليم والتحقيق في علوم الأداء القرآني.
