يقدّم كتاب «سجود التلاوة مسألة قرائية لا فقهية ولا حديثية» للباحث عثمان بن علي بندو معالجة تأصيليّة مركّزة تعيدُ موضعةَ القضية داخل حقل علوم القراءات لا ضمن مباحث الفقه أو الحديث كما جرى عليه كثير من التصنيف؛ إذ ينطلق من بيان الإشكال وآثاره التعليمية، ثم يميّز بدقة بين «الأحكام الأدائيّة» التي يضبطها أهل الأداء و«الأحكام التكليفيّة» التي يعالجها الفقهاء، مؤكّدًا أن مدار سجود التلاوة—في أصل تعريفه ومواضعه—على النقل القرائي وقواعد الضبط والمشافهة. ويعرض الكتاب محاوره في تدرّج محكم: تحديد مفهوم السجود وحدوده، واستقراء مواضعه كما استقرّت في مدوّنات القرّاء، وبيان الفروق بين تقريرات أهل الأداء وتقعيدات الفقهاء والمحدّثين عند التعارض الظاهري في التطبيقات. وينتهج المؤلّف منهجًا وصفيًا تحليليًا يقوم على استقراء نصوص المتون القرائية وشروحها، ومقابلة صيغ النقل وتحليل عباراتها، مع توظيف أدوات الترجيح القرائي من شهرة الأداء واطراد الاستعمال وانسجام الموضع. ويمتاز العمل بلغة عربية فصيحة دقيقة، وأسلوب أكاديمي مقتصد خالٍ من الحشو، وإحالات علميّة منتقاة تُظهر أصالة الاستناد إلى مصادر الفن وأعرافه. كما تتجلّى مزاياه الفنية في وضوح البنية، والتدرّج من ضبط المصطلح إلى تطبيقاته، وبناء خريطة ذهنية توضّح كيف يؤدّي اختلاف محلّ البحث إلى اختلاف النتائج التعليمية. والكتاب موجّه إلى طلاب القراءات والمقرئين ومدرّسي التجويد، وينتفع به دارسو الفقه والحديث لضبط حدود التخصص وتقليل التنازع المنهجي. وتبرز قيمته العلمية والثقافية في تصحيح مسار طويل من الخلط بين مجالات العلم، وترسيخ أنّ «سجود التلاوة» شأنٌ أدائيّ نصّي تُحسم مواضعه في سياق الإقراء، بما يهيّئ أرضية مشتركة تُحسّن ممارسات التعليم القرآني وتُرشّد الخطاب حول السجود نصًّا وأداءً.