يقدّمُ كتابُ «نظراتٍ في بعضِ ما انحذف حَشْوًا من الألفات» للدكتور عبد الرحيم بن عبد السلام النَّبُولسي إسهامًا دقيقًا في علم رسم المصحف، إذ يستهلّ المؤلف بتعريفٍ موجزٍ لمفهوم الحذف الحَشْوي للألف في الرسم العثماني ومراميه الصوتية والإملائية، ثم يعرّج على تأصيلٍ تاريخيٍّ لمسار ضبط الألفات عند أئمّة الرسم مثل أبي عمرو الداني وابن نجاح، فيُبرزُ صِلته بالقراءات وأثرَه في توجيه النطق. وينقسم العمل إلى محورين رئيسين: الأول حصرٌ استقرائيٌّ للألفاظ القرآنية التي حُذِف منها الألفُ وسط الكلمة، مع تصنيفها بحسب موقعها الصرفي وعَرض شواهدها من المصاحف العثمانية، والثاني تحليلٌ تعليليّ يبيّن علل الحذف بين اعتبارات الرسم القياسي وحكمة الترتيب الصوتي؛ فيوظّف المؤلف المنهج الوصفي-التحليلي مدعَّمًا بإحصاءات وجداول تقارن مواضع الحذف في المصاحف المشرقية والمغربية. وتمتاز الدراسة بلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ رصينة، وأسلوبٍ أكاديمي يتجنّب الحشو ويعتمد الإحالة إلى المصادر الأصيلة في هوامش دقيقة، كما يُبرز أصالة البحث استناده إلى مخطوطات مصحفية قديمة وقراءته النقدية لآراء الباحثين المعاصرين. ويخاطب الكتابُ طلابَ علوم القرآن والرسم والإملاء، والمحققين المهتمين بتوثيق المصاحف، إضافةً إلى المختصين باللسانيات التاريخية؛ إذ يزوّدهم بمرجع مُحكَم يُسهِّل فهم ظاهرة حذف الألف ويضبطها على أسس منهجية. وتكمن قيمته العلمية في أنه يسدّ فراغًا بين الدراسات التي تتناول الظاهرة متناثرةً، فيقدم رؤيةً متكاملةً تجمع بين التوثيق والتحليل، وتفتح آفاقًا لتطوير قواعد الضبط الرقمي للمصحف الشريف، مع ترسيخ الوعي بجمالية الرسم العثماني ودلالته الصوتية والبلاغية المتفرّدة.
