كتاب "الموهبة في حفظ الطيبة" من تأليف الشيخ رشدي عبد الحميد عبد اللطيف سعد يُعدّ من المؤلفات التعليمية المعاصرة التي كُتبت بعناية لخدمة حفظ وفهم منظومة "طيبة النشر في القراءات العشر" للإمام ابن الجزري، تلك المنظومة التي تُعد من أعمدة علم القراءات الكبرى، والتي يصعب على كثير من الطلبة الإلمام بها حفظًا وفهمًا، لما فيها من تفصيلات وتنوعات في الطرق والروايات والأوجه.
أهمية هذا الكتاب تتجلى في كونه دليلًا مساعدًا لحفاظ "الطيبة"، حيث لا يهدف إلى شرح مفردات المنظومة أو تحليلها من الناحية العلمية، بل هو مرشد عملي للحفظ والتركيز، يعين الطالب على ضبط المواضع التي تنفرد بها "الطيبة" دون "الشاطبية" و"الدرة"، وهي النقطة التي تمثل التحدي الأكبر لحفّاظ القراءات العشر من طريق الطيبة.
وقد استخدم المؤلف أسلوبًا تربويًا مبسطًا، يُناسب طلاب العلم المبتدئين والمتقدمين على السواء، حيث قام بتقسيم المادة إلى فقرات مركّزة، مستعينًا بأمثلة واضحة، وملاحظات مختصرة، وتلخيصات مفيدة، تجعل الكتاب أشبه ما يكون بخارطة ذهنية مختصرة لحفظ الأوجه الزائدة في الطيبة، وهي التي تتجاوز 128 طريقًا للقراءات العشر.
من الجوانب المميزة في الكتاب أن المؤلف لم يثقل على القارئ بالتفريعات، بل سعى إلى تسهيل المقارنة بين الطيبة ومنظومتي الشاطبية والدرة، عبر إشارات مباشرة إلى الأوجه الزائدة والمفردات الخاصة، مع تعمد التكرار أحيانًا لتثبيت المعلومات، وهذا ما يعكس فهمًا عميقًا لطبيعة الطالب الحافظ، واحتياجاته في مسيرة الإتقان.
ورغم أن الكتاب صغير الحجم (21 صفحة فقط)، إلا أن مضمونه كثيف في الفائدة، عظيم في النفع، خاصة لأولئك الذين بدأوا بحفظ الطيبة وأتموا حفظ الشاطبية والدرة قبلها. ويُستحسن استعمال هذا الكتاب كـ كُتيب مرافق أثناء الحفظ والمراجعة، أو حتى في مجالس الإقراء الفردية والجماعية.
ولعل ما يزيد من قيمة هذا العمل أنه جاء في وقت قلّت فيه المؤلفات التي تراعي الجانب العملي في حفظ المتون، إذ إن كثيرًا من كتب القراءات المعاصرة تميل إلى الشرح النظري أو التحقيق الأكاديمي، بينما هذا الكتاب يُخاطب واقع الحافظ والمقرئ والمراجع، ويقدم له خلاصة مركزة تساعده على الاستيعاب دون عناء.
في المجمل، يُعتبر "الموهبة في حفظ الطيبة" عملاً تعليميًا نافعًا، يُستحسن أن يُدرّس في دورات الإقراء المتقدمة، ويُرفق مع "طيبة النشر" كمُلحق مساعد في ضبط الحفظ. ونسأل الله أن يُبارك في جهد مؤلفه، ويجزيه خير الجزاء على خدمته لكتاب الله وأهله.