«الدلالة الصوتية: دراسة لغوية لدلالة الصوت ودوره في التواصل» لكريم زكى حسام الدين
يُعَدّ هذا الكتاب من المساهمة الجدّية في حقل علم الأصوات والدلالة الصوتية، إذ يعرِض المؤلّف فيه دراسة منهجية للعلاقة بين الصوت كظاهرة لغوية ملفوظة وبين الدلالة والمعنى في عملية التواصل. يبدأ الكتاب بتعريف ماهيّة “الصوت اللغوي” والفرق بين “الصوامت” و”الصوائت” — أي الحروف التي يُعترض فيها مخرج الهواء وبين الأصوات التي تنطلق بحرّية — ثم يتابع تحليل كيف تشكّل هذه الأصوات وحداتها الدلالية الأولى، وكيف تتفاعل داخل الكلمة والجملة لتنتج معانٍ مختلفة.
يعرض المؤلف أن الأصوات ليست مجرد أدوات للنطق، بل هي لبنات دلالية بحد ذاتها: فخصائص الصوت — مثل الصائت أو الصامت، طول الهواء، مدّ أو سكون، شدة أو لين — تؤثر في طابع الكلمة، وقد تكتسي دلالات تميّزها عن غيرها من الكلمات. كما ينتقل إلى مستويات أسمّاها “العناصر الصوتية الثانوية” — وهي مظاهر الأداء الصوتي على مستوى الجملة، كالإيقاع، التنغيم، الوقفات، مما يؤثر على فهم المعنى وتلقيه في سياق التواصل.
يتميّز الكتاب بمنهجه الوصفي التحليلي: فقد جمع بين النظرية الصوتية التقليدية (مخارج، صفات الحروف) وبين تحليل لغوي في إطار معنى ودلالة. كما أن لغته عربية فصيحة، واضحة، توفّر للقارئ الباحث إطارًا علميًا ميسّرًا لفهم كيف “يُقال” و”يُسمع” الصوت، وكيف “يعني” في الفهم.
من أهم ما يُقدّمه هذا العمل: قيمة دلالية للصوت — بمعنى أنّ الصوت ليس مجرد وسيط بين الحرف والمعنى، بل له حضور دلالي فعلي. ولذلك فهو يُفيد الباحثين في علوم اللغة، الصوتيات، علم الدلالة، وكذلك مهتمّي تعليم اللغة العربية، خاصة في قضايا النطق، تجويد اللغة، تحليل النصوص أو الشعر.
كما يجعله مرجعًا مهمًّا لكل من يريد أن يفهم كيف يُمكن أن تتداخل “الصوتية” مع “الدلالة” بحيث لا تكون اللغة مجرد كتابة ورموز، بل تجربة شفوية — أداء ومعنى معًا — ما يقرّب الفهم من جوهر اللغة العربية كلغة حيّة ناطقة ومتعددة الأبعاد.
يمتاز الكتاب بجمعه بين التحليل الصوتي والتحليل الدلالي، وهو مجال نادر في الدراسات العربية؛ إذ يربط بين خصائص الصوت (الشدة، الجهر، الهمس، المدّ...) وبين الأثر الدلالي لها في التواصل.
يقدّم المؤلف مادة علمية بأسلوب مبسّط دون إخلال بالمصطلحات اللسانية الحديثة. كما اعتمد المنهج الوصفي المدعّم بالتحليل والأمثلة.
لم يقتصر على دراسة أصوات الحروف، بل توسّع إلى الإيقاع، التنغيم، الوقفات، والسرعة — وهي عناصر حيوية في التواصل وفهم المعنى.
يستفيد منه دارسو اللسانيات، والخطباء، ومعلمو العربية، ومحترفو الأداء الصوتي، لأنه يقدّم رؤية عملية للصوت في التواصل.
يتضمن إحالات على مدارس تحليل الصوت المعاصرة، ما يجعله متنًا جامعًا بين التراث اللغوي القديم والدراسات اللسانية الحديثة.
على الرغم من متانة الطرح النظري، إلا أن الكتاب كان يمكن أن يستفيد أكثر من زيادة الأمثلة التطبيقية من القرآن والشعر لتعميق الجانب الدلالي.
لم يستخدم المؤلف مدوّنات لغوية واسعة (Corpora)؛ ممّا يجعل بعض النتائج عامّة لا مبنيّة على تحليل إحصائي صوتي.
بعض الفصول غنيّ في التحليل (مثل التنغيم)، بينما فصول أخرى مكتفية بعرض المعلومات دون توسّع كافٍ في الجانب الدلالي.
يفتقر الكتاب إلى المقابلات المصطلحية في اللسانيات الغربية، وهو أمر يسهّل الربط بين البحث العربي والبحث العالمي.